جبهات قتال مشتعلة، شكّلت خطّ تماس متعرّج، يمتدّ على مسافة تقارب 300 كم، من منطقة اليتمة على حدود الجوف مع السعودية، مروراً بالحزم والمتون والغيل، لتلتقي مع نهم والجدعان وبني حشيش، وصولاً إلى صرواح ومعسكر العرقوب، الذي يشبه نوبة حراسة تترقّب الخطر الداهم من الشرق.
شمال الشمال يقاتل شمال الشمال، كرصاصة انقسمت نصفين، حيث يحمل الجنرال علي محسن الأحمر لواء الحرب خارج أسوار القلعة، ويبحث عن كوّة في الجدار لإعادة “الشرعية”، فيما يشعل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، حماس أنصاره و “أنصار الله” لمواجهة “التحدّي بالتحدّي”، والأحجار من الخارج، و الدم من رأس القبيلي، فـ”أي عليّ سوف يخصي علي”؟
عودة الحلفاء
خرج اللواء علي محسن الأحمر من السعودية إلى مأرب، مرتدياً بزّته العسكرية، وبدأ بترتيب أوراقه، وجمع شتات حلفائه من المشائخ القبليّين والقادة العسكريّين ومجاميع من “حزب الإصلاح” (الإخوان المسلمين) والسلفيّين، لخوض ما أسماها “معركة التحرير وإعادة الشرعية”.
أزاح محافظ الجوف، المحسوب على اليسار، حسين العجّي العواضي، وعيّن القياديّ في حزب “الإصلاح”، أمين العكيمي، بدلاً منه. تقول مصادر مقرّبة من الأحمر، لـ”العربي”، إن “قائمة قرارات أصدرها الرئيس هادي بطلب من محسن، شملت إلى جانب تعيين العكيمي محافظاً للجوف، قرارات بتعيين صغير حمود عزيز نائباً لرئيس هيئة الأركان لشؤون التدريب، علماً أن صغير هذا يتحدّر من مديرية حرف سفيان بعمران التي لا يزال أنصار الله يسيطرون عليها. كما تمّ تعيين العقيد طاهر يحيى زمام قائداً للواء التاسع مشاة، وتكليفه بقيادة المعركة في متون الجوف، والتقدّم إلى حرف سفيان لقطع الإمدادات بين صعدة وصنعاء، وبجانبه العميد عبد الله الضاوي قائد اللواء 127 ميكا، الذي يقاتل في جبال حام السفلى في الجوف، على مسافة 37 كم من معسكر العمالقة في حرف سفيان”.
و تكشف المصادر ذاتها عن “تكليف اللواء محمّد عبدالله الصوملي بقيادة محور سفيان، ومعركة تحرير محافظة عمران”، مع الإشارة إلى أن الصوملي والضاوي و زمام وابن عزيز جميعهم من محافظة عمران.
خصوم الأمس
في المقابل، تمكّن الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، من العودة إلى الواجهة. وبينما توقّع كثيرون خروجه من المشهد نهائيّاً، مع سيطرة “أنصار الله” على العاصمة صنعاء، معتبرين أن مصيره أضحى بأيديهم، ها هو اليوم متحالف مع الجماعة، التي تراجعت عن “إعلانها الدستوري” و”لجنتها الثورية”، من أجل التحالف مع صالح وحزبه، الذي أعاد أغلبيّته إلى مقاعد البرلمان، لتبارك تشكيل “مجلس سياسي” تشاركي بين “المؤتمر” و”أنصار الله”. ويوجّه محمّد علي الحوثي، قبيل تخلّيه عن رئاسة “اللجنة الثورية” بأيّام، بصرف مليار ريال يمني لإعادة تأهيل قوّات الحرس الجمهوري، الموالية لصالح، وشراء أسلحة خفيفة من الأسواق الداخلية، لتسليح منتسبيها، بكلفة أكّدت مصادر عسكرية، لـ”العربي”، أنّها “تجاوزت مليار و400 مليون ريال يمني”.
ضبابية الصراع
مثّل الـ21 من سبتمبر في العام 2011 محطّة فاصلة، بإعلان اللواء علي محسن تأييده لـ”ثورة الشباب”، لتختلط الأوراق، وينقسم نظام العليّين. ويشير مصدر مقرّب من الرجلين، لـ”العربي”، إلى أن “صالح زار مقرّ الفرقة الأولى، والتقى بالجنرال محسن، قبيل انشقاقه بساعات، ليخاطبه غاضباً: أعطيتك ساقية خضراء من البنك المركزي لتمسك بخطام الإخوان -الإصلاح- لكن يبدو أنّهم صاروا يقودون بخطامك”.
تؤكّد مصادر موثوقة لـ”العربي” أن اللواء علي محسن الأحمر غير متحمّس للقتال في صنعاء.
تغلّب الولاء لحزب “الإصلاح” لدى الكثير من منتسبي الفرقة والمنطقة الشمالية الغربية، التي كان يقودها محسن، الذي توزّعت تركته بين ضفّتي الصراع في جبهات القتال بشمال الشمال. منطقة عسكرية ثالثة يقودها اللواء عبد الرب الشدادي، وتقاتل في مأرب ونهم ضدّ “أنصار الله” وصالح، تقابلها منطقة عسكرية ثالثة يقودها اللواء مبارك المشن الزايدي، وتقاتل ضدّ “الشرعية” في صرواح بمأرب. وفي الجوف، منطقة عسكرية سادسة بقيادة اللواء أمين الوائلي، تقاتل في صفّ “الشرعية”، وتقابلها منطقة عسكرية سادسة موالية لصالح، ويقودها اللواء محمّد يحيى الحاوري.
كما تصطفّ شخصيّات، اليوم، إلى جانب الجنرال محسن، لا تحمل العداء لصالح، لكن لها ثأر وتصفية حسابات مع “أنصار الله”. من بين هذه الشخصيّات صغير عزيز وعثمان مجلي، ومعهما عدد ليس بالقليل ممّن عملوا مع نظام الرجلين، والتحقوا بالرياض، لكن صالح يقول إنّهم ليسوا “مرتزقة”، ويوصي بوصفهم بـ”المنتفعين”، ويدعو إلى مصالحة لا تستثنيهم، فيما يطالب محسن بـ”يمن اتّحادي”، يضمّ خصوم “الشرعية” ولا يقصيهم. ويحتدم الجدل في مقايل اليمنيّين حول الصراع الحالي، ويخلص كثير من العامّة إلى أن “الرجلين متّفقين ويتقنوا التمثيل علينا”.
خطّة بديلة
رغم حدّة المواجهات بين طرفي الصراع في نهم، التي تمثّل البوّابة الشرقية للعاصمة، ورهان الكثير من الموالين لـ”المقاومة الشعبية”، التي يشكّل المنتمون لحزب “الإصلاح” والجماعات السلفية سوادها الأعظم، على الجنرال محسن في “تحرير” شمال الشمال من خصومهم والسيطرة على العاصمة، إلّا أن مصادر موثوقة تؤكّد، لـ”العربي”، أن “اللواء علي محسن الأحمر غير متحمّس للقتال في صنعاء”، كاشفة أن “الجنرال محسن اجتمع، قبل أيّام، بالقيادات العسكرية الموالية للشرعية في الجوف ومأرب، وخاطبهم بقوله: نواجه ضغوطات من أطراف خارجية تعارض اقتحام صنعاء، لذا فإن خيارنا البديل التقدّم من الجوف إلى حرف سفيان بعمران، لقطع الإمدادات عن صنعاء وصعدة، ودفع الحوثيّين إلى الانسحاب من جبهات القتال، للدفاع عن معقلهم الرئيسي صعدة، وسيضطر صالح للاستسلام في صنعاء، والتفاوض على ضمان خروجه من البلاد مقابل تسليم العاصمة، وسنتمكّن من شقّ العصا بين صالح والحوثيّين وإضعافهم”.
يعلّق القيادي الميداني في “أنصار الله” في جبهة سفيان، أبو الكحلاء، على ذلك بالقول إن “الطريق من الجوف إلى حرف سفيان ليس معبّداً أمام حلفاء الرياض، الذين يراهنون على الوهم”، متوعّداً بـ”أنّنا سنبني متاريسنا في الجوف بجماجمهم، ولن تفيدهم طائرات العدوان التي قصفت الجبل الأسود ومعسكر العمالقة بأكثر من 300 غارة، منذ بداية العدوان”. ويضيف أن “أبطال الجيش واللجان كالبنيان المرصوص، من جبال حام وشوابه وهران إلى أرحب ونهم والعرقوب”.
ويفيد عدد من السائقين القادمين من الجوف إلى عمران، “العربي”، بأن المسافة بين سوق الاثنين في مديرية المتون في الجوف، حيث خطّ المواجهة، وبين مدينة حرف سفيان حيث تقاطع الخطّ الاسفلتي الذي يربط الجوف بصعدة وعمران، والتي تبلغ مسافة 37كلم، تجتازها الشاحنات بسرعة متوسّطة في 3 ساعات، بسبب وعورة الطرق الجبلية، بينما لا يتجاوز الطريق الاسفلتي 10 كلم.
الإخوة الأعداء
يقاتل العميد هاشم الأحمر في نهم بلواء عسكري تحت إمرة الجنرال محسن، وفي سيرته 5 سنوات قائداً لحرس الرئيس علي عبدالله صالح، في وقت لا يزال فيه شقيقاه، صادق وحمير، ملازمين منزليهما، في حيّ الحصبة، في صنعاء. في المقابل، يتولّى العشرات من الضبّاط، المتحدّرون من سنحان، قيادة وحدات الجيش الموالية لصالح، والتي تقاتل في الكثير من الجبهات ضدّ القوّات الموالية لمحسن، الذي ترك ثلاثة من أبنائه في منزله بسنحان. وتقول مصادر محلّية، لـ”العربي”، إن “صالح منع مسلّحي أنصار الله من تفجير منزل الجنرال الأحمر”، وإن “أبناء محسن وبقية أسرته يحظون برعاية صالح”.
تثبت شواهد التاريخ أن شمال الشمال، الذي تصفه بعض النخب بـ”المركز المقدّس”، يصارع ويتصارع، ويعيد إنتاج نفسه، بما يضمن الحفاظ على اليد الطولى، والتفاف عامّته حول من يصفه الزميل فكري قاسم بـ”الكبير”، سواءً كان شيخاً أم سيّداً أم قائداً عسكريّاً، لكن الشروخ الاجتماعية التي خلّفها المركز في صراعاته مع الوسط والأطراف، والتي بلغت ذروة التشظّي مع الحرب الدائرة اليوم في أكثر من محافظة، قد لا تضمن له، حتّى، الدفاع عن أسواره.